تحريم دعاء غير الله - من كلام بعض علماء المذاهب - PDF

الكتب العربية تحريم دعاء غير الله - من كلام بعض علماء المذاهب - PDF محمد بن عبد الوهاب

Author
محمد بن عبد الوهاب
Language
العربية
Number Pages
45
إجماع علماء المذاهب الأربعة وغيرهم على أن دعاء غير الله شرك أكبر ، مخرج من ملة الإسلام
ماجد بن سليمان الرسي
مقدمة
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد،
فإن الغاية التي من أجلها خلق الله الجن والإنس هي أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، قال تعالى ]وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون[ ، والعبادة تشمل كل ما يحبه الله ويرضاه ، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة .
فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفار والمنافقين ، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكـين وابن السبيل والمملوك ، والإحسان إلى البهائم ، والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة .
وكذلك حب الله ورسوله ، وخشية الله والإنابة إليه ، وإخلاص الدين له ، والصبر لحكمه ، والشكر لنعمته ، والرضا بقضائه ، والتوكل عليه ، والرجاء لرحمته ، والخوف من عذابه ، وأمثال ذلك ؛ هي من العبادة لله .
وضد العبادة الشرك في عبادة الله ، بأن يجعل الإنسان لله شريكا يعبده كما يعبد الله ، ويخافه كما يخاف الله ، ويتقـرب إليه بشيء من العبادات كما يتقرب لله ، من دعاء وصلاة أو ذبح أو نذر أو غير ذلك .
والكلام في هذا البحث المختصر منصب على مسألة صرف عبادة الدعاء لغير الله ، وقبل البدء في مناقشة هذه المسألة أقول إن الدعاء عبادة جليلة ، قد خصها الله بالذكر في كثير من الآيات ، وبـين النبـي صلى الله عليه وسلم شرفها في كثير من الأحاديث الصحيحة ، إلا أنه من أكثر العبادات التي شرّك الناس فيها بين الله وبين خلقه ، فإنك تجد - مع الأسف الشديد - كثيرا ممن ينتسب إلى الإسلام قد وقعوا في دعاء غير الله والاستغاثة بهم ، سواءً كانوا من الأنبـياء أو الصالحين ، كمن يقول يا نبـي الله ، أو يا عبد القادر الجيلاني ، أو يا بدوي ، أشكو إليك ذنوبـي ، أو نقص رزقي ، أو تسلط العدو علي ، أو أشكو إليك فلانا الذي ظلمني ، أو يقول أنا نـزيلك ، أنا ضيفك ، أنا جارك ، أو أنت تجير من يستجير ، أو أنت خير معاذ يستعاذ به ، أو ارزقني الولد ، أو قول القائل إذا عثر : يا جاه محمد ، يا ست نفيسة ، أو يا سيدي الشيخ فلان ، ونحو ذلك من الأقوال التي فيها تعلق وتوجه ودعاء لغير الله ، وبعضهم يكتب على أوراق ويعلقها عند القبور ، أو يكتب محضرا أنه استجار بفلان ثم يذهب إلى أحد المقبورين بذلك المحضر ليغيثه !
وفي هذه الوريقات ؛ نقلت ما يسر الله نقله من أدلة شرعية على عظم شأن الدعاء من بين سائر العبادات ، ثم ذكر الأدلة الدالة على وجوب دعاء الله وحده وترك دعاء من سواه ، ثم عطفت بذكر نقول علمية عن علماء المذاهب الفقهية المشهورة في تحريم دعاء غير الله ، وبيان أن فاعل ذلك مشرك خارج من ملة الإسلام ، ثم ختمت بنقل كلام نفيس للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في وجوب دعاء الله ، وتحريم دعاء غيره .
والله أسأل أن يوفق المسلمين جميعا لإخلاص العمل لله وحده ، وأن يجنبهم طرق الشرك والضلال ، والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
وكتبه ، ماجد بن سليمان الرسي



تأصيل ، الدعاء عبادة

الدعاء عبادة جليلة ، قد خصها الله بالذكر في كثير من الآيات ، وبـين النبـي صلى الله عليه وسلم شرفها في كثير من الأحاديث الصحيحة .
وقد جاءت الأدلة في بيان عِظم شأن الدعاء فمنها :
حديث سلمان الفارسي عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله حيـي كريم يستحيـي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين .[1]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يرد القضاء إلا الدعاء .[2]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء .[3]
وقد جاء تصريح النبـي صلى الله عليه وسلم في أن الدعاء عبادة في قوله : الدعاء هو العبادة ، وقرأ }وقال ربكم ادعوني استجب لكم( إلى قوله )داخرين{ .[4]
وحصْر العبادة في الدعاء - وإن كان حصْراً ادعائيا - فإنه يدل على عظـم الدعاء وشرف مكانته ، وأنه لب العبادة وخالصها ، وركنها الأعظم ، وهو كقوله صلى الله عليه وسلم : الحج عرفة .[5]
كما سمى الله الدعاء عبادة في قوله }قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البـينات من ربـي{ ، وقال تعالى }وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين{ ، فعبر الله عن الدعاء بالعبـادة في الآيتين ، فدل ذلك على عِظم شأنه .
وقد سمى الله الدعاء ديناً كما في قوله تعالى }وإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون{.
فجعل الله سبحانه الدين بدلا من الدعاء ، وعرفه بالألف واللام التي تفيد العهد ، فدل ذلك على أن الدعاء دينا ، وما كان دينا فهو عبادة .
وقد أمر الله بدعائه ، وكل ما أمر الله بفعله فهو عبادة واجبة أو مستحبة ، قال تعالى }وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين{ ، وقال تعالى ]ادعوا ربكم تضرعا وخفية[ .
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالدعاء كما في قوله : فأما الركوع فعظموا فيه الرب تعالى ، وأما السجود فأكثروا من الدعاء ، فقمـِِنٌ[6] أن يستجاب لكم .[7]
قال الشيخ عبد الله أبا بطين رحمه الله :
وكل ما أمر الله به أمر إيجاب أو استحباب فهو عبادة عند جميع العلماء ، فمن قال إن دعاء العبد ربه ليس بعبادة له فهو ضال ، بل كافر .[8]


فصل في الأمر بدعاء الله وحده والنهي عن دعاء غيره

القرآن والسنة يأمران بإفراد الله بالدعاء ، وينهيان عن دعاء غيره ، ومن ذلك قوله تعالى }ادعوا ربكم تضرعا وخفية{[9] ، وقوله تعالى }أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض{[10] ، وقوله تعالى }وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان{[11] ، وقوله تعالى }واسألوا الله من فضله{[12].
قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله :
وأما إفراد الله بالدعاء فجاء ذكره في نحو ثلاثمائة موضع منوعاً ، تارة على صيغة الأمر به ، كقوله }أدعوني استجب لكم{[13] ، }وادعوه مخلصين له الدين{ [14].
وتارة يذكره الله بصيغة النهي كقوله }فلا تدعوا مع الله أحداً{ [15].
وتارة يقرنه بالوعيد كقوله }فلا تدع مع الله إلـٰهاً آخر فتكون من المعذبين{[16].
وتارة بتقرير أنه هو المستحق للألوهية والتعبد كقوله }ولا تدع مع الله إلـٰهاً آخر لا إلـٰه إلا هو{[17].
وتارة في الخطاب بمعنى الإنكار على الداعي كقوله }ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك{[18].
وتارة بمعنى الإخبار والاستخبار }قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات{[19].
وتارة بالأمر الذي هو بصيغة النهي والإنكار }قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض{[20].
وتارة أن الدعاء هو العبادة ، وأن صرفَه لغير الله شرك }ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة{ إلى قوله }وكانوا بعبادتهم كافرين{[21] ، }وأعتزلكم وما تدعون من دون الله{ إلى قوله }فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله{[22].
وفي الحديث : (الدعاء هو العبادة)[23] ، صححه الترمذي وغيره ، وقد أتى فيه بضمير الفصل ، والخبر المعرَّف باللام ليدل على الحصر ، وأن العبادة ليست غير الدعاء ، وأنه مُعظم كل عبادة[24] ، ونهى ألا يشرك معه أحد فيه ، حتى قال في حق نبيه صلى الله عليه وسلم }قل إنما أدعوا ربي ولا أشرك به أحداً{ [25] ، وأخبر أنه لا يَغفر أن يشرك به .[26] انتهى .
ومن أدلة وجوب إفراد الله بالدعاء ؛ حديث ابن عباس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله .[27]
فلو جاز سؤال غير الله لقال : واسألني واستعن بـي ، بل أتى صلى الله عليه وسلم بمقام الإرشاد والإبلاغ والنصح لابن عمه بتجريد إخلاص السؤال والاستعانة على الله تعالى .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ينـزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ، يقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ .[28]
وقال رسول الله : إذا تمنى أحدكم فليستكثر ، فإنما يسأل ربه عز وجل .[29]
وقال تعالى ]يسأله من في السماوات والأرض[ ، قال ابن سعدي رحمه الله: أي هو الغني بذاته عن جميع مخلوقاته وهو واسع الجود والكرم فكل الخلق مفتقرون إليه يسألونه جميع حوائجهم ومجالهم ومقالهم ولا يستغنون عنه طرفة عين ولا أقل من ذلك وهو تعالى (كل يوم هو في شأن) يغني فقيرا ويجبر كسيرا ويعطي قوما ويمنع آخرين ويميت ويحيي ويخفض ويرفع لا يشغله شأن عن شأن ولا تغلطه المسائل ولا يبرمه إلحاح الملحين ولا طول مسألة السائلين فسبحان الكريم الوهاب الذي عمت مواهبه أهل الأرض والسماوات وعم لطفه جميع الخلق في كل الآنات واللحظات وتعالى الذي لا يمنعه من الإعطاء معصية العاصين ولا استغناء الفقراء الجاهلين به وبكرمه .


فصل في ذكر تقريرات أعل العلم من علماء المذاهب الأربعة وغيرهم
لبطلان دعاء غير الله


وقد وصف الله دعاء غيرِه بأنه باطل في موضعين من القرآن ، الموضع الأول قوله تعالى { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ البَاطِل } [30]، والموضع الثاني قوله تعالى { ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَـٰطِل } [31].
قلت : وقد أجمع علماء المذاهب الأربعة وغيرهم على أن دعاء غير الله شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام ، وقد نصوا على ذلك في كتاب حكم المرتد في جميع كتب المذاهب ، وعلى أن إفراد الله بالعبادة عموماً ، والدعاء خصوصاً من ضروريات الاسلام ، ولم يخالف في ذلك واحد منهم ، وإجماع المسلمين حجة شرعية كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة ، ويد الله على الجماعة . [32]
قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله : لا نعلم نوعاً من أنواع الكفر والردة وَرَدَ فيه من النصوص مثل ما ورد في دعاء غير الله ، من النهي والتحذير عن فعله ، وكُفر فاعله ، والوعيد عليه بالخلود في النار ، فما المانع من تحكيم الكتاب والسنة واتباع إجماع الأمة ، وقد أُفردت هذه المسألة بالتصنيف ، وحكى الإجماع عليها غير واحد من أهل العلم ، وذكروا أنها من ضروريات الإسلام ؟.[33]
وهذا طرف من كلام بعض علماء المذاهب ، ومن أراد الاستزادة فعليه بالكتب المشار إليها في الحاشية .[34]
أما كلام الحنفية ؛ فقال الشيخ قاسم في « شرح درر البحار » : النذر الذي يقع من أكثر العوام ، بأن يأتي إلى قبر بعض الصلحاء قائلاً : يا سيدي ؛ إن رُدّ غائبي ، أو عُوفي مريضي ، أو قُضيت حاجتي ؛ فلك من الذهب أو الطعام أو الشمع كذا وكذا ؛ باطلٌ إجماعاً ، لوجوه منها :
أن النذر للمخلوق لا يجوز .
ومنها ، أنه ظنَّ الميت يتصرف في الأمر ، واعتقاد هذا كفر ، ... ، وقد ابتُـلي الناس بذلك ولاسيما في مولد الشيخ أحمد البدوي . انتهى .
وقال الشيخ محمد عابد السندي الحنفي في كتابه « طوالع الأنوار شرح تـنوير الأبصار مع الدر المختار » ما نصه :
ولا يقول : يا صاحب القبر ، يا فلان ، إقض حاجتي ، أو سلها من الله ، أو كن لي شفيعا عند الله ، بل يقول : يا من لا يشرك في حكمه أحدا ؛ اقض لي حاجتي هذه .
وقال الشيخ صنع الله بن صنع الله الحلبـي الحنفي رحمه الله ما نصه :
هذا وإنه قد ظهر الآن فيما بـين المسلمين جماعات يدَّعون أن للأولياء تصرفات في حياتهم وبعد الممات ، ويستغاث بهم في الشدائد والبليات ، وبهم تنكشف الـمُهمات ، فيأتون قبورهم وينادونهم في قضاء الحاجات ، مستدلين على أن ذلك منهم كرامات !
وهذا كلام فيه تفريط وإفراط ، بل فيه الهلاك الأبدي والعذاب السرمدي ، لما فيه من روائح الشرك المحقق ، ومصادرة الكتاب العزيز المصدّّق ، ومخالفة لعقائد الأئمة ، وما أجمعت عليه هذه الأمة ، وفي التـنـزيل ]وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً[[35].[36]
وبهذا قال من أئمة الحنفية المتأخرين الإمام أحمد السرهندي ، والإمام أحمد الرومي ، والشيخ سجان بخش الهندي ، ومحمد بن علي التهانوي ، ومحمد إسماعيل الدهلوي ، والشيخ أبو الحسن الندوي ، وشدد في ذلك .[37]
وللشيخ الدكتور شمس الدين الأفغاني رسالة عظيمة جمع فيها أقوال علماء الأحناف في إبطال عقائد القبورية ، وأسماها «جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية» ، تقع في ثلاث مجلدات ، نال فيها رسالة الدكتوراة العالمية .
وأما كلام المالكية ؛ فقال أبو بكر الطرطوشي في كـتاب « الحوادث والبدع » لما ذكر حديث الشجرة المسماة بذات أنواط : فانظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ، ويُعظمون من شأنها ، ويرجون البُـرء والشفاء لمرضاهم من قِـبَلِها ؛ وينوطون بها المسامير والخرق ؛ فهي ذات أنواط ، فاقطعوها .[38]
وأما كلام الشافعية ؛ فقال ابن حجر الشافعي في « شرح الأربعين النووية » : من دعا غير الله فهو كافر .[39]
وقال الإمام محدث الشام أبو شامة في كتاب « الباعث على إنكار البدع والحوادث » :
لكن نُبين من هذا القسم ما وقع فيه جماعة من جهال العوام ، المنابذين لشريعة الإسلام ، التاركين للاقتداء بأئمة الدين من الفقهاء ، وهو ما يفعله طوائف من المنتمين إلى الفقر ، الذي حقيقته الإفتقار من الإيمان ، من مؤاخاة النساء الأجانب والخلوة بهن ، واعتقادهم في مشايخ لهم ، ... ، وبهذه الطرق وأمثالها كان مبادئ ظهور الكفر من عبادة الأصنام وغيرها ، ومن هذا القسم أيضا ما قد عم الابتلاء به ؛ من تزيـين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعُمُد ، وسرج مواضع مخصوصة في كل بلد يحكِـي لهم حاكٍ أنه رأى في مـنامه بها أحداً ممن شُهِـر بالصلاح والولاية ، إلى أن يَعظُم وقعَ تلك الأماكن في قلوبهم ، ويعظمونها ، ويرجون الشفاء لمرضاهم ، وقضاء حوائجهم بالنذر لها ، وهي ما بين عيون وشجر وحائط . وفي مدينة دمشق ، صانها الله تعالى من ذلك ، مواضع متعددة .
ثم ذكر – رحمه الله – الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال له بعض من معه : (اجعل لنا ذات أنواط) ؛ قال : الله أكبر ، قلتـم والذي نفس محمد بيده كما قال قوم موسى ]اجْعَل لناَ إلـٰهاً كَمَا لهَمُ آلهة[ [40]. [41]انتهى كلامه رحمه الله .[42]

وقال الإمام العلامة أحمد بن علي المقريزي المصري الشافعي رحمه الله :
وشرك الأمم كله نوعان : شرك في الإلـٰهية وشرك في الربوبية ، فالشرك في الإلـٰهية والعبادة هو الغالب على أهل الإشراك ، وهو شرك عُباد الأصنام وعباد الملائكة وعباد الجن وعُباد المشايخ والصالحين الأحياء والأموات ، الذين قالوا )إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى( ، ويشفعوا لنا عنده ، وينالونا بسبب قربهم من الله وكرامته لهم قرب وكرامة ، كما هو المعهوم في الدنيا من حصول الكرامة والزلفى لمن يخدم أعوان الملك وأقاربه خاصته .
والكتب الإلـٰهية كلها من أولها إلى آخرها تبطل هذا المذهب وترده وتقبح أهله ، وتنص على أنهم أعداء الله تعالى .
وجميع الرسل صلوات الله عليهم متفقون على ذلك من أولهم إلى آخرهم ، وما أهلك الله تعالى من أهلك من الأمم إلا بسبب هذا الشرك ومن أجله .[43]
وسيأتي كلام الإمام ابن النحاس الشافعي قريبا إن شاء الله .

وأما كلام الحنابلة ؛ فقال الشيـخ تقي الدين رحمه الله لما ذكر حديث الخوارج :
فإذا كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه ممن قد انتسب إلى الإسلام ؛ من مَرق[44] منه مع عبادته العظيمة ، فيُعلم أن المنتسب إلى الإسلام والسنة قد يمرق أيضاً ، وذلك بأمور ، منها الغلو الذي ذمه الله تعالى ، كالغلو في بعض المشائخ ، كالشيخ عدي ، بل الغلو في علي بن أبي طالب ، بل الغلو في المسيح ، ونحوه .
فكل من غلا في نبي أو رجل صالح ، وجعل فيه نوعاً من الإلـٰهية ، مثل أن يدعوه من دون الله ، بأن يـقول : (يا سيدي فلان أغثني ، أو أجرني ، أو أنت حسبي ، أو أنا في حسْبك) ؛ فكل هذا شرك وضلال ، يستتاب صاحبه ، فإن تاب وإلا قتل ، فإن الله أرسل الرسل ليُعبد وحده ، لا يُـجعل معه إلـٰه آخر ، والذين يجعلون مع الله آلهة أخرى ، مثل الملائكة أو المسيح أو العزير أو الصـالحين أو غيرهم ؛ لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق وترزق ، وإنما كانوا يدعونهم ، يقولون ]هؤلاء شفعاؤنا عند الله[ ، فبعث الله الرسل تنهى أن يُدعى أحد من دون الله ، لا دعاء عبادة ، ولا دعاء استغاثة .[45] انتهى .
وقال أيضا : لم يقل أحد من علماء المسلمين أنه يستغاث بشيء من المخلوقات في كل ما يستغاث فيه بالله تعالى ، لا بنبـي ولا بملَـك ولا بصالح ولا غير ذلك ، بل هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا يجوز إطلاقه .[46]
وقال أيضاً : ومن قال إن ميتا من الموتى ، نفيسة أو غيرها ؛ تُجير الخائف وتُخلص المحبوس وهى من باب الحوائج ؛ فهو ضال مشرك فإن الله سبحانه هو الذى يجير ولا يجار عليه ، وباب الحوائج إلى الله هو دعاؤه بصدق وإخلاص كما قال تعالى }وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان{ ، والله أعلم .[47]
وقال أيضا : سؤال الميت والغائب - نبياً كان أو غيره - من المحرمات المنكرة باتفاق أئمة المسلمين ، لم يأمر الله به ولا رسوله ، ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ، ولا استحسنه أحد من أئمة المسلمين ، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين المسلمين .[48]
وقال أيضا رحمه الله في كتابه « اقتضاء الصراط المستقيم »[49]: ولما كان للمشركين شجرة يعلقون عليها أسلحتهم ويسمونها ذات أنواط ؛ فقال بعض الناس : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط !
فقال : الله أكبر ! قلتم كما قال قوم موسى ]اجعل لنا إلـٰها كما لهم آلهة[ ، إنها السنن ، لتركبن سنن من كان قبلكم .
فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم مجرد مشابهتهم الكفار في اتخاذ شجرة يعكفون عليها ، معلقين عليها سلاحهم ، فكيف بما هو أعظم من ذلك ، من مشابهتهم المشركين ، أو هو الشرك بعينه ؟

وقال أيضا رحمه الله :
والمرتد من أشرك بالله تعالى ، أو كان مبغضا للرسول صلى الله عليه وسلم ولما جاء به ، أو ترك إنكار منكر بقلبه ، أو توهم أن أحدا من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم قاتل مع الكفار أو أجاز ذلك ، أو أنكر مجمعا عليه إجماعا قطعيا ، أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم ، ومن شك في صفة من صفات الله تعالى ومثله لا يجهلها فمرتد ، وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتد ، ولهذا لم يُكفر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الشاك في قدرة الله وإعادته لأنه لا يكون إلا بعد الرسالة .[50]
وقال أيضا : فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط ، يدعوهم ، ويتوكل عليهم ، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار ، مثل أن يسألهم غفران الذنب ، وهداية القلوب ، وتفريج الكروب ، وسد الفاقات ؛ فهو كافر بإجماع المسلمين .[51]
ونقله عنه الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب[52] من علماء الحنابلة في كتابه « تيسير العزيز الحميد » ثم قال :
نقله عنه غير واحد مقررين له ، منهم ابن مفلح في « الفروع »[53] ، وصاحب «الإنصاف»[54] ، وصاحب « الغاية »[55] ، وصاحب « الإقناع »[56] ، وشارحه[57] ، وغيرهم ، ونقله صاحب « القواطع »[58] في كتابه عن صاحب « الفروع » .
قلت[59]: وهو إجماع صحيح معلوم بالضرورة من الدين ، وقد نص العلماء من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم في باب حكم المرتد على أن من أشرك بالله فهو كافر ، أي عبد مع الله غيره بنوع من أنواع العبادات ، وقد ثبت بالكتاب والسنة والاجماع أن دعاء الله عبادة له ، فيكون صرفه لغير الله شركا .
وقال الإمام ابن النحاس الشافعي[60] رحمه الله : (ومنها[61] ؛ إيقادهم السرج عند الأحجار والأشجار والعيون والآبار ، ويقولون إنها تقبل النذر ، وهذه كلها بدع شنيعة ومنكرات قبيحة تجب إزالتها ومحو أثرها ، فإن أكثر الجهال يعتقدون أنها تنفع وتضر ، وتجلب وتدفع ، وتشفي المريض وترد الغائب إذا نُـذِر لها ، وهذا شرك ومحادة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم).[62]
قلت : فصرح رحمه الله أن الاعتقاد في هذه الأمور أنها تضر وتنفع وتجلب وتدفع وتشفي المريض وترد الغائب إذا نَـذر لها ؛ أن ذلك شرك ، وإذا ثبت أنه شرك فلا فرق في ذلك بين اعتقاده في الملائكة والنبيين ، ولا بين اعتقاده في الأصنام والأوثان ، إذ لا يجوز الاشراك بين الله تعالى وبين مخلوق فيما يختص بالخالق سبحانه ، كما قال تعالى ]ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون[.
وهذا بعينه هو الذي يعتقده من دعا الأنبياء والصالحين ، ولهذا يسألونهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات وشفاء ذوي الأمراض والعاهات ، فثبت أن ذلك شرك} . انتهى كلامه رحمه الله .[63]
وقال ابن القيم رحمه الله في « مدارج السالكين » في معرض كلام له عن أنواع الشرك :
ومن أنواعه ؛ طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتوجه إليهم ، وهذا أصل شرك العالم ، فإن الميت قد انقطع عمله وهو لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ، فضلاً عمن استغاث به وسأله قضاء حاجته ، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها ، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع له عنده كما تقدم ، فإنه لا يقدر أن يشفع له عند الله إلا بإذنه ، والله لم يجعل استغاثته وسؤاله سببا لإذنه ، وإنما السبب لإذنه كمال التوحيد ، فجاء هذا المشرك بسبب يمنع الإذن ، وهو بمنزل من استعان في حاجة بما يمنع حصولها ، وهذه حالة كل مشرك .
والميت محتاج إلى من يدعو له ويترحم عليه ويستغفر له ، كما أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم ، ونسأل لهم العافية والمغفرة ، فعكَس المشركون هذا ، وزاروهم زيارة العبادة واستقضاء الحوائج والاستغاثة بهم ، وجعلوا قبورهم أوثانا تعبد ، وسموا قصدها حجا ، واتخذوا عنده الوقفة وحلق الرأس ، فجمعوا بين الشرك بالمعبود الحق وتغيير دينه ، ومعاداة أهل التوحيد ، ونِسبة أهله إلى التنقص للأموات ، وهم قد تنقصوا الخالق بالشرك ، وأولياءه الموحدين له الذين لم يشركوا به شيئاً ، بذمهم وعيبهم ومعاداتهم ، وتنقصوا من أشركوا به غاية التنقص ، إذ ظنوا أنهم راضون منهم بهذا ، وأنهم أَمروهم به ، وأنهم يوالونهم عليه ، وهؤلاء هم أعداء الرسل والتوحيد في كل زمان ومكان ، وما أكثر المستجيبين لهم ، ولله خليله إبراهيم عليه السلام حيث يقول )واجنبني وبني أن نعبد الأصنام * رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ( .
وما نجا من شَركِ هذا الشرك الأكبر إلا من جرَّد توحيد الله ، وعادى المشركين في الله ، وتقرب بمقتهم إلى الله ، واتخذ الله وحده وليه وإلـٰهه ومعبوده ، فجرّد حبه لله ، وخوفه لله ، ورجاءه لله ، وذُله لله ، وتوكله على الله ، واستعانته بالله ، والتجاءه إلى الله ، واستغاثته بالله ، وأخلص قصده لله ، متبعا لأمره ، متطلبا لمرضاته ، إذا سأل سأل الله ، وإذا استعان استعان بالله ، وإذا عمِل عمِل لله ، فهو لله وبالله ومع الله .[64]
وله رحمه الله في باب تعظيم أصحاب القبور كلام طويل في كتابه النفيس « إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان » ، ذكر فيها الجذور التاريخية لتعظيم أصحاب القبور والغلو فيهم ، كما عرض لذكر المظاهر والعلاج ، رحمه الله رحمة واسعة .[65]
وقال الإمام أبو الوفاء علي بن عقيل الحنبلي رحمه الله : إن من يعظم القبور ويخاطب الموتى بقضاء الحوائج ، ويقول : يا مولاي ويا سيدي عبد القادر : (إفعل لي كذا) ؛ هو كافر بهذه الأوضاع ، ومن دعا ميتا وطلب قضاء الحوائج فهو كافر .
وقال أيضا في « الفنون » : لما صعُبت التكاليف على الجهال والطَغَام[66] ؛ عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها ، فسهُلت عليهم إذ لم يَدخلوا بها تحت أمر غيرهم ، وهم عندي كفار بهذه الأوضاع ، مثل تعظيم القبور ، وخطاب الموتى بالحوائج ، وكَـتب الرقاع فيها : (يا مولاي ، افعل لي كذا وكذا) ، أو إلقاء الخرق على الشجرة اقتداء بمن عبد اللات والعزى .
وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله : إن قول العبد (لا إلـٰه إلا الله) يقتضي أنه لا إلـٰه له غير الله ، والإلـٰه هو الذي يطاع فلا يُعصى ، هيبة له وإجلالا ، ومحبة وخوفا ورجاء ، وتوكلا عليه وسؤالا منه ودعاء له ، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز وجل ، فمن أشرك مخلوقا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلـٰهية ؛ كان ذلك قدحا في إخلاصه في قول : (لا إلـٰه إلا الله) ، ونقصا في توحيده ، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك ، وهذا كله من فروع الشرك .[67]
وقال الشيخ عبد الله أبا بطين[68] رحمه الله : ورأيت من جملة فتاوي للقاضي أبي يعلي منها : أنه سئل عمن يقول : (يا محمد ، يا علي) ، فقال : هذا لا يجوز لأنهما ميتان .[69]
وقد ذكر الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن أن المسلمين قد أجمعوا على تكفير من ارتكب الشرك الأكبر وكفر بآيات الله ورسله أو بشيء منها بعد قيام الحجة وبلوغِها المعتبر ، كمن عبد الصالحين ودعاهم مع الله ، وجعلهم أنداداً له فيما يستحقه على خلقه من العبادات والإلـٰهية ، وذكر أن هذا مجمع عليه بين أهل العلم والإيمان ، وأن كل طائفة من أهل المذاهب المقلَّدة يفردون هذه المسألة بباب عظيم يذكرون فيه حكمها وما يوجب الردة ويقتضيها ، وينصون على الشرك ، وأن ابن حجر قد أفرد هذه المسألة بكتاب سماه : « الإعلام بقواطع الإسلام » .[70]
وقال الشوكاني في كتابه « الدر النضيد » : إعلم أن الرزية كل الرزية ، والبلية كل البلية ؛ أمر غير ما ذكرنا - من التوسل المجرد والتشفع بمن له الشفاعة - ، وذلك ما صار يعتقده كثير من العوام وبعض الخواص في أهل القبور ومن المعروفين بالصلاح من الأحياء ، من أنهم يقدِرون على ما لا يقدر عليه إلا الله جل جلاله ، ويفعلون ما لا يفعله إلا الله عز وجل ، حتى نطقت ألسنتهم بما انطوت عليه قلوبهم ، فصاروا يدعونهم تارة مع الله ، وتارة استقلالا ، ويصرخون بأسمائهم ، ويعظمونهم تعظيم من يملك الضر والنفع ، ويخضعون لهم خضوعا زائداً على خضوعهم عند وقوفهم بـين يدي ربهم في الصلاة والدعاء ، وهذا إذا لم يكن شركا فلا ندري[71] ما هو الشرك ! وإذا لم يكن كفرا فليس في الدنيا كفر . انتهى .[72]


مسك الختام

وأختم بكلام نفيس لسماحة الإمام الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في هذه المسألة ، قال :
ولا ريب أن الدعاء من أهم أنواع العبادة وأجمعها ، فوجب إخلاصه لله وحده كما قال عز وجل {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُون}[73] ، وقال عز وجل {وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً }[74] ، وهذا يعم جميع المخلوقات من الأنبياء وغيرهم ، لأن "أحد" نَكِرَة في سياق النهي ، فتَعُم كل من سوى الله سبحانه ، وقال تعالى ]وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّك[[75] ، وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن الله سبحانه قد عصمه من الشرك ، وإنما المراد من ذلك تحذير غيره ، ثم قال عز وجل ]فإن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِين [[76] ، فإن كان سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام لو دعا غير الله يكون من الظالمين فكيف بغيره ؟ والظلم إذا أُطلق يراد به الشرك الأكبر كما قال الله سبحانه ]وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ[[77] ، وقال تعالى ]إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[[78] ، فعُلم بهذه الآيات وغيرها أن دعاء غير الله من الأموات والأشجار والأحجار والأصنام وغيرها شرك بالله عز وجل ينافي العبادة التي خَلَقَ الله الثقلين من أجلها ، وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيانها والدعوة إليها ، وهذا هو معنى لا إلـٰه إلا الله ، فإن معناها : لا معبود بحق إلا الله ، فهي تنفي العبادة عن غير الله وتثبتها لله وحده ، كما قال سبحانه ]ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ[[79] ، وهذا هو أصل الدين وأساس المِلَة ولا تصح العبادات إلا بعد صحة هذا الأصل كما قال تعالى ]وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ[[80] ، وقال سبحانه ]وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ[[81].

ودين الإسلام مبني على أصلين عظيمين أحدهما : أن لا يُعبدَ إلا الله وحده ، والثاني : ألا يُعبَد إلا بشريعة نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو معنى شهادة أن لا إلـٰه إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فمن دعا الأموات من الأنبياء و غيرهم أو دعا الأصنام أو الأشجار أو الأحجار أو غير ذلك من المخلوقات أو استغاث بهم أو تقرب إليهم بالذبائح و النذور أو صلى لهم أو سجد لهم ؛ فقد اتخذهم أرباباً من دون الله وجعلهم أنداداً له سبحانه .

وهذا يناقض هذا الأصل و ينافي معنى لا إلـٰه إلا الله ، كما أن من ابتدع في الدين ما لم يأذن به الله لم يحقق معنى شهادة أن محمداً رسول الله ، وقد قال الله عز وجل ]وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً[[82] ، وهذه الأعمال هي أعمال من مات على الشرك بالله عز و جل ، و هكذا الأعمال المبتدعة التي لم يأذن بها الله فإنها تكون يوم القيامة هباءً منثوراً لكونها لم توافق شرعه المطهر ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رِد . متفق على صحته .[83]

إلى أن قال رحمه الله : وقد أمر الله عز وجل بدعائه سبحانه ، ووعد من يدعوه بالاستجابة ، وتوعد من استكبر عن ذلك بدخول جهنم ، كما قال عز وجل ]وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[[84] ، أي صاغرين ذليلين ، وقد دلت الآية الكريمة على أن الدعاء عبادة ، وعلى أن من استكبر عنه فمأواه جهنم ، فإذا كانت هذه حال من استكبر عن دعاء الله فكيف تكون حال من دعا غيره وأعرض عنه ؟
وهو سبحانه القريب المجيب المالك لكل شيء والقادر على كل شيء ، كما قال سبحانه ]وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ[[85].

وقد أخبر الرسول في الحديث الصحيح أن الدعاء هو العبادة ، وقال لابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : « إِحْفَظِ الله يَحْفَظْكَ ، إِحْفَظِ الله تجِدْهُ تجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ الله ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بالله » أخرجه الترمذي وغيره .[86]
وقال صلى الله عليه وسلم : منْ مات َوهو يدعُو من دون الله نداً دخلَ النار .[87]
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سُئِل : أيُّ الذَّنبِ أعظمُ عندَ الله ؟
قال : « أن تجعلَ للَّهِ ندّاً وهوَ خَلَقَكَ » .[88]
والند هو النظير و المثيل .
فكل من دعا غير الله أو استغاث به أو نذر له أو ذبح له أو صرف له شيئا من العبادة سوى ما تقدم فقد اتخذه ندا لله ، سواء كان نبياً أو ولياً أو ملكاً أو جنياً أو صنماً أو غير ذلك من المخلوقات .
أما سؤال الحي الحاضر ما يقدر عليه والاستعانة به في الأمور الحسية التي يقدر عليها فليس ذلك من الشرك ، بل ذلك من الأمور العادية الجائزة بين المسلمين ، كما قال تعالى في قصة موسى ]فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ[[89] ، وكما قال تعالى في قصة موسى أيضا ]فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّب[[90] ، وكما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب وغيرها من الأمور التي تَعرِض للناس ويحتاجون فيها إلى أن يستعين بعضهم ببعض .
وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ الناس أنه لا يملك لأحد نفعاً أو ضراً ، فقال تعالى في سورة الجن ]قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً * قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَراًّ وَلاَ رَشَداً[[91] ، وقال تعالى في سورة الأعراف ]قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَراًّ إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[ [92].
والآيات في هذا المعنى كثيرة .
وهو صلى الله عليه وسلم لا يدعو إلا ربه ، ولا يستغيث إلا به ، و كان في يوم بدر يستغيث بالله ويستنصره على عدوه ويُلِح في ذلك ويقول : "يا رب أنجز لي ما وعدتني" ، حتى قال الصديق الأكبر أبو بكر رضي الله عنه : "حَسبُك يا رسول الله ، فإن الله مُنجِز لك ما وعدك" ، وأنزل الله سبحانه في ذلك قوله تعالى ]إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[[93] ، فذكّرهم سبحانه في هذه الآيات استغاثتهم به ، وأخبر أنه استجاب لهم بإمدادهم بالملائكة ، ثم بين سبحانه أن النصر ليس من الملائكة ، وإنما أمدهم به للتبشير بالنصر والطمأنينة ، وبين أن النصر من عنده فقال ]وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ[[94] ، وقال عز وجل في سورة آل عمران ]وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[[95] ، فبين في هذه الآية أنه سبحانه هو الناصر لهم يوم بدر ، فعُلم بذلك أن ما أعطاهم من السلاح والقوة ، وما أمدهم به من الملائكة ؛ كل ذلك من أسباب النصر والتبشير و الطمأنينة ، وليس النصر منها ، بل هو من عند الله وحده .[96] انتهى كلام الشيخ رحمه الله .

قال مقيده عفا الله عنه : فجزى الله أهل العلم المخلصين لله خير الجزاء بما حفظوا للناس دينهم ، فإنهم كما قال الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم في « الدرر السنية » :
وقد صنف العلماء في كل عصر ومصر ، في الأصول والفروع وغيرها مما لا يحصى ، حفظا للدين والشريعة وأقول أهل العلم ، وليكون آخر الأمة كأولها في العلم والعمل والتزام أحكام الشريعة وإلزام الناس بها ، لأن ضرورتهم إلى ذلك فوق كل ضرورة ، ولولا ذلك لجرى على ديننا ما جرى على الأديان قبله ، فإن كل عصر لا يخلو من قائل بلا علم ، ومتكلم بغير إصابة ولا فهم .[97]
تمت الرسالة بحمد الله .


ثبت لبعض المراجع
1. الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار ، عبد الله بن أبي شيبة ، الناشر مكتبة دار الباز ، مكة
2. المنتخب ، عبد بن حميد ، تحقيق مصطفى العدوي ، الناشر دار بلنسية
3. الاستغاثة في الرد على البكري ، ابن تيمية ، تحقيق عبد الله السهلي ، مدار الوطن


-------------------------------------------
[1] رواه الترمذي (3556) ، وصححه الألباني .
[2] رواه الترمذي (2139) ، عن سلمان الفارسي ، وحسنه الألباني ، انظر «الصحيحة» (154) .
[3] رواه الترمذي (3370) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وحسنه الألباني .
[4] رواه أبو داود (1479) ، والترمذي (2969) ، وغيرهما عن النعمان بن بشير ، وصححه الشيخ الألباني .
[5] رواه النسائي (3016) ، عن عبد الرحمن بن يعمر ، وصححه الألباني .
[6] أي حريٌّ .
[7] رواه مسلم (479) .
[8] « تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس » ، ص 127 .
[9] سورة الأعراف : 55 .
[10] سورة النمل : 62 .
[11] سورة البقرة : 186 .
[12] سورة النساء : 32 .
[13] سورة غافر : 60 .
[14] سورة الأعراف : 29 .
[15] سورة الجن : 18 .
[16] سورة الشعراء : 213 .
[17] سورة القصص : 88 .
[18] سورة يونس : 106 .
[19] سورة الأحقاف : 4 .
[20] سورة سبأ : 22 .
[21] سورة الأحقاف : 5- 6 .
[22] سورة مريم 48 ـ 49 .
[23] تقدم تخريجه .
[24] صدق رحمه الله ، فلا تكاد تخلو عبادة من دعاء ، فالصلاة والحج والأذكار الخاصة والعامة والجهاد كله يشرع فيه دعاء الله عز وجل ، فضلا عن كون الدعاء عبادة مستقلة .
[25] سورة الجن : 20 .
[26] « السيف المسلول على عابد الرسول » ، ص 131 – 132 ، باختصار وتصرف يسير .
[27] رواه الترمذي (2516) ، وأحمد (1/303) ، وهو في « صحيح الترمذي » للألباني (2516) .
[28] رواه البخاري (1145) ، ومسلم (1772) ، وغيرهما .
[29] رواه عبد بن حميد في « المنتخب » (1494) ، وابن أبي شيبة (29360) ، وصححه الألباني في « السلسلة الصحيحة» (1266) .
[30] سورة الحج : 62 .
[31] سورة لقمان : 30 .
[32] رواه الترمذي (2167) ، عن ابن عمر ، وصححه الألباني ، وكذا الحاكم في « مستدركه » (392) ، (397) ، وذكر بعد ذكره للحديث إجماع أهل السنة على هذه القاعدة ، وأنها من قواعد الإسلام .
[33] « السيف المسلول على عابد الرسول » ، ص 24 .
[34] « الشرك ووسائله عند أئمة الحنفية » ، « الشرك ووسائله عند أئمة المالكية » ، « الشرك ووسائله عند أئمة الشافعية » ، «الشرك ووسائله عند أئمة الحنابلة» ، لفضيلة الشيخ د. محمد بن عبد الرحمن الخميس ، الناشر دار الوطن ، وكذا كتاب « جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية » ، لشمس الدين السلفي الأفغاني .
[35] سورة النساء : 115 .
[36] « سيف الله على من كذب على أولياء الله » ، باختصار ، (ص 15-16) ، الناشر مدار الوطن للنشر .
[37] انظر المراجع المذكور فيها إنكارهم على من دعا غير الله في «المجموع المفيد في نقض القبورية ونصرة التوحيد» ، ص 412 – 418 .
[38] ص 39 ، الناشر دار ابن الجوزي .
[39] نقله الشوكاني عنه في « الدر النضيد » .
[40] سورة الأعراف : 138 .
[41] رواه الترمذي (2180) عن أبي وافد لليثي ، واللفظ له ، وأحمد (5/218) ، وصححه الألباني في « صحيح الترمذي » .
[42] باختصار من « الباعث على إنكار البدع والحوادث » ، ص 34 -35 ، الناشر دار المؤيد .
[43] « تجريد التوحيد المفيد » ، ص 52 – 53 ، تحقيق علي بن محمد العمران ، الناشر دار عالم الفوائد .
[44] المروق الخروج من شيء من غير مدخله ، والمارقة الذين مرقوا من الدين لغلوهم فيه ، والمروق سرعة الخروج من الشيء . « لسان العرب » .
[45] مختصرا من « الرسالة السنية » ، وتقع كاملة في « مجموع الفتاوى » (3/363-430) ، والمنقول مختصر من الصفحات 383- 400 .
[46] « مجموع الفتاوى » (1/103) .
[47] « مجموع الفتاوى » (27/490) .
[48] « الاستغاثة في الرد على البكري » ص 331 ، تحقيق عبد الله السهلي ، ط 1 ، الناشر مدار الوطن .
[49] (2/649) .
[50] « الفتاوى الكبرى » (4/506) ، (اختيارات شيخ الإسلام) ، باب حكم المرتد .
[51] « مجموع الفتاوى » (1/124) .
[52] الشيخ سليمان من فحول علماء نجد ، ولد سنة 1200 هـ ، درس على عدة مشائخ ، وعنده إجازة في رواية الكتب الستة ، درّس وولي القضاء ، وتوفي شابا شهيدا بإذن الله سنة 1234 هـ ، له عدة مؤلفات من أشهرها كتابه « تيسير العزيز الحميد » ، والكتاب على مدى ثلاث قرون ينهل منه العلماء وطلبة العلم إلى وقتنا هذا ، وهو عمدة في علم توحيد العبادة ، ومن بعده عيال عليه ، رحمة الله رحمة واسعة .
[53] (6/165) .
[54] (10/327) .
[55] أي « غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى » لمرعي الالكرمي (3/355) .
[56] (4/297) .
[57] يعني الشيخ منصور بن يونس البهوتي في كتابه « كشاف القناع في شرح الإقناع » (6/168) .
[58] أي ابن حجر رحمه الله ، واسم كتابه « الإعلام بقواطع الإسلام » .
[59] لا زال الكلام للشيخ سليمان .
[60] أحمد بن إبراهيم بن محمد ، أبو زكريا ، محي الدين ، الدمشقي ، الشافعي ، فقيه مجاهد ، توفي في معركة ضد الفرنجة سنة 814 هـ ، انظر ترجمته في « الضوء اللامع » للسخاوي (1/203) ، و « شذرات الذهب » (7/105) .
[61] أي ومن الكبائر .
[62] « تنبيه الغافلين » ، ص 323 .
[63] « تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد » ، باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره . ص 427 – 428 ، تحقيق أسامة بن عطايا العتيبي ، الناشر دار الصميعي ، وقد نقلت من حاشيته حفظه الله الإحالات على كتب الحنابلة المتقدم ذكرها في أول كلام المؤلف ، وكذا الترجمة المختصرة لابن النحاس رحمه الله .
[64] « مدارج السالكين » ، منزلة التوبة ، ص 605 ، الناشر دار طيبة .
[65] ولكاتبه عفا الله عنه بحث بعنوان « تلاعب الشيطان بعقول القبوريين » ، جمع فيها كلام ابن القيم في هذه المسألة من كتابه المذكور ، ورتبها وفهرسها ، وهو منشور على الشبكة ، نفع الله به .
[66] الطغام هم أراذل الناس وأوغادهم . « النهاية »
[67] « تحقيق كلمة الإخلاص » .
[68] الشيخ عبد الله من فحول علماء نجد ، ولد سنة 1194 هـ وتوفي سنة 1282 هـ ، ولي القضاء والإفتاء ، وله عدة كتب ، رحمه الله رحمة واسعة .
[69] « تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس » ، ص 147 .
[70] « الدرر السنية » (1/467-468) .
[71] في المطبوع : تدري ، وأظنه تصحيف .
[72] ص 22 – 23 ، ت محمد علي الحلبي ، دار الفتح – الشارقة .
[73] سورة غافر : 14 .
[74] سورة الجن : 18 .
[75] سورة يونس : 106 .
[76] سورة يونس : 106 .
[77] سورة البقرة : 254 .
[78] سورة لقمان : 13 .
[79] سورة الحج : 62 .
[80] سورة الزمر : 65 .
[81] سورة الأنعام : 88 .
[82] سورة الفرقان : 23 .
[83] رواه البخاري (2697) ، ومسلم (1718) عن عائشة رضي الله عنها .
[84] سورة غافر : 60 .
[85] سورة البقرة : 186 .
[86] تقدم تخريجه .
[87] رواه البخاري (4497) .
[88] رواه البخاري (4761) ومسلم (86) ، واللفظ له ، عن ابن مسعود رضي الله عنه .
[89] سورة القصص : 15 .
[90] سورة القصص : 21 .
[91] سورة الجن : 20 - 21 .
[92] سورة الأعراف : 188 .
[93] سورة الأنفال : 9 – 10 .
[94] سورة آل عمران : 126 .
[95] سورة آل عمران : 123 .
[96] مجلة الجندي المسلم ، العدد 20 ص 89 .
[97] « الدرر السنية » (1/21) ..
Author
Abu AbdullahVerified member
Downloads
0
Views
114
First release
Last update

Ratings

0.00 star(s) 0 ratings

More books from Abu Abdullah

Back
Top